أين أصحاب الأحذية

“هل أنا ذاهب إلى مشواري الأخير؟”

تجد الأحذية في كل مكان فردة، فردتين، مهملة كحياة أصحابها. ملقية على قارعة الحياة. تتبلل تحت المطر، وتحت الشمس الحارقة. تتحلل كما تتحلل الجثث.

ننتعل أحذيتنا ولا نعلم إلى أين تأخذنا الاقدار في هذا اليوم!

هل أنا ذاهب إلى مشواري الأخير؟ هل أذهب معه إلى فخ عاطفي وهو يتلصص علي ويسمع همساتي لثقتي انه لن يتكلم! فلن أتوقع أن تخونني أحذيتي.

أختارها وأصفها بعناية، لثقتي أنها لن تفارق الحياة عندما تفارق قدمي.

فاخترعنا في فن الديكور وسيلة لطيفة لعرضها ورصها وتلميعها والاحتفاظ بها وتوريثها أيضًا.

كما في بعض ثقافات الأناضول عندما يتوفى شخص ما توضع حذاءه على مدخل بابه دلالةً على وجود ميت في هذا البيت.

هل رمزوا لفقدنا بحذائنا؟

ما تلك العلاقة التي تربطنا بالأحذية؟ علاقة لا دخل لها بالشكليات والموضة والاناقة.

فالموضوع أبعد من ذلك.


 آثارنا على احذيتنا من طين وطلاء وحبر حددت نمط حياتنا ووظائفنا دون أن نعلم، واستدل بها العلم الجنائي لتتبعنا في حالة اختفائنا مثلا.

أحذية كان لأصحابها آمال وأحلام بسيطة ذهبت مع الفردة الاخرى التي غرقت في نهر السين مع المتظاهرين الجزائريين في باريس 16 اكتوبر لعام 1961 م.

فألقي القبض عليهم بالعشرات ورُمي بهم في نهر السين، واختفى أثرهم تمامًا وظلت أحذيتهم تطفو كدليل على تلك المجزرة. يقال إنه تم انتشال تلك الأحذية بشباك من قبل جمعيات مناهضة للعنصرية وعرضها فرجة للناس!

وكما حصل في محرقة الهولوكوست في ألمانيا عندما جمعت أحذية للضحايا اليهود ووضعت في متحف. لا تدري هل هي للفرجة ام للمتعة أم للشماتة!

وكتب (إدواردو غاليانو) في كتابه ابناء الأيام في فصل الحذاء قال:

في عام ١٩١٩م جرى اغتيال الثورية (روزا لاكسنبورغ) في برلين. القتلة هشموا عظامها بأعقاب بنادقهم، وألقوا بها في مياه قناة. خلال الطريق، ضاعت فردة من حذائها. فالتقطت يد ما فردة الحذاء، تلك الملقاة في الوحل، لقد عاشت روزا وهي تناضل بحياتها من أجل عالم لا يضحى فيه بالعدالة باسم الحرية، في كل يوم تلتقط يد ما تلك الراية الملقاة في الوحل كحذاء!


 لم تكن تلك الحذاء عابرة سبيل، بل شهدت على حياتك ومماتك. شهدت على فزعك وضحكاتك. وسقوطك ونهوضك. وأصبحت في أيامنا أهم منك وإرثك المتبقي.

Previous
Previous

جنازة الشغف

Next
Next

نفسك التي لا تراها في المرآة