استمع إلى صوت الأرض وهي تدور

ا”يذكرنا كتاب "جريب فروت" بحقيقة مؤاربة وهي أن أعظم الأفكار تتشكل فينا. في أجسادنا ووجودنا أو حتى في غيابنا. تذكرنا (يوكو) بأن الغريزة البشرية هي الحركة الفنية العظمى.”ى

 في منتصف الستينيات تُصدر الفنانة التجريبية (يوكو أونو) الإصدار الأول من كتابها المُعنون "جريب فروت"، عنوان في غاية الإبهام وفي غاية البديهية في آن واحد مما يمثل محتوى الكتاب بدقة.

 يحتوي الكتاب على 300 صفحة من النصوص الفنية المفاهيميه تفكك فيها (يوكو) مفهوم وحدود وطرق صناعة الفن على هيئة أوامر تصدرها الفنانة ليشارك بها القُراء في صناعة الفن.


(1)

"قطعة الأرض"

استمع إلى صوت الأرض وهي تدور.

ربيع 1963

 

في هذه القطعة البسيطة التي تتوسط الفصل الأول المُعنون (فصل الموسيقى)، تحثنا الكاتبة على صناعة الموسيقى على طريقتها. سواء بالفعل أو بمجرد الخيال فالأمر عند (يوكو) سيان.


(2)

"قطعة الحفل الموسيقي"

حين يُرفع الستار، اختبئ

وانتظر حتى يغادر الجميع

أخرج وألعب

شتاء 1968

 

تحت الفصل نفسه، فصل الموسيقى. تتلاعب يوكو بمفهوم آخر. في هذه الحالة هي تختار أن تصنع الفن بعد غياب الجمهور. تختار أن تغيب عن مرأى الآخرين وقت رفع الستار. تصرح بكل جرأة أن ما تعمله بعد أن يغادر الجميع قاعة المسرح، هو فن. وتدعونا جميعًا أن نشارك في عملية صناعة الفن حتى لو بخيالنا لا أكثر.


(3)

-        "لوحة لا توجد إلا حين يتم نسخها أو تصويرها"

اسمح للناس بنسخ وتصوير لوحتك

دمر اللوحة الأصلية.

ربيع 1964

 

قد يكون هذا النص هو المفضل لدي. هناك نوع من التشدد والصرامة اتجاه صنع الفن. وتلك الهالة المتصلبة التي تشعرني بأن مفاصل الفن خشنة هي حتمًا شيء لابد من التخلص منه. وتلاعُب (يوكو) بهذه الأفكار يعيد للفن نوع من الديناميكية التي تعيد الفن إلى هيئة لعوبة متمردة وتفتح المجال لما اعتقدنا انه غير ممكن.


(4)

      "قطعة للرياح"

قم بتقطيع لوحة وأتركها لتضيع في الرياح

صيف 1962

 

تذكرنا (يوكو): "العالم مليء بالأشياء، لا حاجة لصناعة المزيد".

يتسع مفهوم الفن تحت هذا الاعتقاد. فنبدأ باعتبار الحذف والتعديل والتلاعب بما هو موجود سلفًا كنوع من الفن. حتى الرياح التي اعتدناها قد تكون وسطًا يتشكل الفن فيه.


(5)

        “لوحة الدخان

أشعل أي لوحة منتهية بواسطة سيجارة في أي وقت لأي فترة زمنية

تأمل تحركات الدخان

تُنجز اللوحة حين تختفي اللوحة كاملة

صيف 1961

 

في هذه القطعة بالذات، تبرز سخرية (يوكو) وحقيقتها كفنانة تبغض الأفكار الجاهزة والمعتقدات المسلم بها. ولكن هي كذلك تضيف فرعًا آخر للفن، فن التدمير. قد نسميه فن الحذف أو الإزالة أو الاسترداد. وفيه لا ينتج الفنان، بل ينتقص مما هو موجود.


 

يذكرنا كتاب "جريب فروت" بحقيقة مؤاربة وهي أن أعظم الأفكار تتشكل فينا. في أجسادنا ووجودنا أو حتى في غيابنا. تذكرنا (يوكو) بأن الغريزة البشرية هي الحركة الفنية العظمى. تُبرز الجسد والذهن كأداة لصناعة الفن. شخصيًا، أُفضل الاصغاء لتلك الأفكار عوضًا عن قرع هوس الإنتاجية.

تحيطني غالبًا شخصيات مهووسة بالإنتاجية وقد أكون انا احدى تلك الشخصيات أحيانًا. ولكني أؤمن كذلك ان الإنتاجية لا تعني الكثير وفي ذلك تفاؤل وتشاؤم.

فبكل بساطة، قد يوضع جميع ما انتجه الفنان في السياق الخاطئ، فيتحلل معناه ولا يستجيب له أي جمهور فيصبح بلا قيمة. أو على الجانب الإيجابي، قد يفكر بشكل تلقائي ببعثرة فطرية فينتج ويؤثر بشكل يفوق توقعاته.

في نهاية الأمر، ليس علينا أن نقضي أيامنا حاملين أطنانًا من التوقعات العالية والمعتقدات السابقة على قمة رؤوسنا مؤمنين أنها ستؤدي بنا إلى ما نتمناه. إيماننا بما نحن عليه الآن وبما هو من نصيبنا الفكري ليس خنوعًا بل هو فضيلة.

تحثنا يوكو في كتابها على فعل أمور مثل "أختبئ، لا تصدر صوتًا، التفكير هو الفعل". فلماذا لا ننظر إلى تلك الأفكار على أنها صناعة للفن؟

Previous
Previous

نفسك التي لا تراها في المرآة

Next
Next

توق وطوق