توق وطوق
“...يبدو انه لا قلب لي ولا عقل سوى اصوليات واتيكيت سيدة نبيلة ومهذبة تحمل السمعة على كتفيها”
كل شيء كذبة ومبالغة. فقط التوق هو الحقيقي.
فهو لا يمكن أن تحدث له مبالغة. لكن حتى حقيقة التوق ليست هي صدقه.
بل هو بالأحرى تعبير عن الكذبة في كل شيء آخر.
يبدو أن هذا جنوني.
إن الحب بالنسبة لي هو أنكِ السكين التي اديرها مغروسة في داخلي.
فرانز كافكا -
تلك السلاسل الغير مرئية بأقفال نفسية. تدور بين حلقاتها ولا تعلم ماهي النهاية، تلك المشاعر المستترة كضمير غائب في جملة، بعبودية مخبأة بعباءة القداسة، جزء طبيعي من العادة والفطرة والروتين والبلادة.
ترتب ليلها وعواطفها كل يوم من جديد، التفت حول جذعها فروعه كشجرة معمرة، وتأصلت البراعم السامة حول وتين قلبها.
كيف لها أن تجتثه وهي التائهة بين أقاويل المنظرين والمراهنين على قوة صبرها وتحملها؟
تضيء ملح جسدها من حرارة صبرها. وتغرق في بحر مصنوع من سراب وخرافات.
البحر خلف بابها وخلف نافذتها ومن امامها ومن ورائها.
وشواطئه ليست معروفة عندها وانما معروفة فقط في مخطوطة قديمة وسرية لا يعلم مكانها أحد!
سوى فئة مصطفاة تتناقل الموروث والاصول والقواعد بطريقة انتقائية وخاصة جدا.
لا يهم من هم.
وماهي طرق تفكيرهم ومنهجهم العلمي؟
لا يهم أيضًا.
وتنام في ليل قصير، لتهدأ خلية الدبابير في قلبها.
ويهدأ ضجيج المنطق أيضا، ويتنفس العقل في ظلام غرفتها. ذلك العقل المؤدلج الخائف، ذلك العقل الوحيد الا من خرافات المجتمع والاصول والواجب والمفروض.
والرهان الخاسر على قوتها المبطنة بالهشاشة والاسئلة!
وهناك ذاكرة أيضا، ولعنة الحب المحاصر بالمرايا.
تلك المرايا التي تعيدها الى نفسها وحيدة محاصرة بالأنا والذات والآخر.
أين انا؟
ما دوري الحقيقي
ما ميزة الاخرين علي؟
ما تركيبة عقلي وامتيازه عن الجنس الاخر؟
أين حريتي الشخصية؟
هل حبي له هو دائرة اماني وملجأي وسكني؟
وهل الحب وعد لا يزول؟
يبدو انه لا قلب لي ولا عقل سوى اصوليات واتيكيت سيدة نبيلة ومهذبة تحمل السمعة على كتفيها...
ثم تقول: الحرب ليست مهنتي وهوايتي، وانا تلك الغزالة الشاردة التائهة.
وتشرق شمسها... صباح الخير يا أنا!
وتعود لجسدها لحظة، وتستيقظ من نومها مفزوعة من وساوس شيطانها، وترتدي روبها المطبع بالزهور، وتسرح شعرها، وتقشر خضاره وبيضه، وتركض نحوه متمنية أن تكون معطفه في الشتاء، وبدموعها تغسله من الحسد ومزاجه المر نحوها، وماضيه الأحمر أم حاضره الأحمر؟!
سيان عندها… متناسية رخام انوثتها اللامع.
وتقول له: إني ولدت لكي احبك... وأشفى منك فيك!
وحراس عقلها يرتبون أفكارها ويعملون بطريقة جدية أكثر من توقها. وتتلمس كتبها وشهاداتها وصور زفافها وكأنه ماض سحيق وبعيد، طويلة تلك السنين. وتذكر جيدا حينما قالت له: خذني الى أرض بعيدة، خذني الى حديقتك الوحيدة.
وتحلم أن تمزق ذكرياتها في غيابه، وترمي أروابها الحريرية على الكرسي، وتمضي الى المجهول حافية، حالمة، لها احلامها الصغرى، واسرارها الكبرى، وقضيتها وامتيازاتها الشاسعة، وقرارها الصارخ أنا، أنا، أنا هنا…
وتستيقظ من غفوتها مفزوعة تردد أنا، أنا، أنا...
وتقوم تاركة على وسادتها حلم او حلمين.