مقابلة: مسودات الصيف

أُجريت المقابلة التالية مع حصة، فاطمة، وزينب. توجهت للقائهن وتبادل الحديث عن مواضيع عديدة، ودُهشت حين وجدت أن أكثر نقاط الحديث إلهامًا كانت أكثر المواضيع بساطة. جلسنا في الفناء والحشرات تتخبط في طيرانها حولنا، تحط على حواف فناجين الشاي. احتمينا في ظل المنزل من أشعة الشمس، وشرعنا في الحديث.

ما هي مشاعركن اتجاه موسم الصيف؟ ماذا يمثل لكنّ مجيئه كل سنة؟

تسترسل زينب في الإجابة ببساطة، "كنا نمقت مجيء الصيف، كان الموسم الوحيد في السنة الذي لا نستطيع فيه أن نتعذر بالدراسة لتجنب أعمال المنزل. كنت أتعمد السهر إلى الصباح حتى أنتظر استيقاظ أبي لصلاة الفجر، ثم استغل اللحظات المعدودة في الخروج وتأمل العالم وهو ساكن، لم يدهشني شروق الشمس وألوانه، كنت أبحث عن الهدوء لا أكثر".

تهز فاطمة رأسها اتفاقًا بينما تعترض حصة بتلقائية، "كنت أحب الصيف لأسباب مختلفة تمامًا، كان الموسم الوحيد الذي تجتمع فيه العائلة، غادروا إخوتي في صغري للعمل فكان حضورهم في فصل الصيف بهجة كبيرة لي حتى مع ازدياد أعداد أبنائهم سنة بعد أخرى وضيق المكان وازدياد الضوضاء، ربما كنت محبة لهذه الأمور لأني واعية أن الحال مؤقت وما أن ينتهي الصيف حتى نعود للصمت، أنا وأمي وأبي، لم نكن نتبادل الأحاديث طوال السنة، صامتين حتى صيف العام القادم".

ماذا عنكِ فاطمة؟

التزمت فاطمة الصمت ثم تبعته بنبرة هادئة، "لم ألتفت عادة لهذه التفاصيل، كنت أتجنب المشاركة". ثم تصمت مجددًا.

ننصت جميعًا، منتظرين بحماسة أن تفسر لنا فاطمة آرائها بحكمتها المعتادة.

"أكثر ذكرياتي وضوحًا في مواسم الصيف كانت احتشاد الجميع داخل المنزل، قرب أجهزة التكييف، وحول التلفاز. كان كل شيء شحيحًا في المنزل، إلا الوقت فكان الفراغ يضايق الجميع حتى تنشب المشاكل وتظهر تصرفات أفراد العائلة الغريبة. كنت أشاهد من بعيد وحسب، دون أن أدرج نفسي في أية مشكلة".

ألاحظ نظرات فاطمة، تبحث عن الحكمة في الموقف الذي ذكرته، ولكنها تتوقف خائبة.

ماذا عن السفر، هل مررتن بتجربة سفر أو رحلة لا تنسى؟

ترد حصة بحماستها ونبرة صوتها العالية، "كنت أشعر بالغضب عند مجيء كل صيف وأحاول افتعال المشاكل في المنزل لأني كنت دائمًا محملة بتوقعات عن كيفية قضاء فصل الصيف. كنت أنتظر أن يأتي كل صيف محمل بتجارب جديدة، سفر أو رحلات، وفي كل صيف، أواجه نفس الخيبة ولا أتعلم منها!"

يضحكن.

ترد فاطمة، "خيبة الصيف علمتني أن أحب الأشياء البسيطة. دائمًا ما توقعت أن الحياة ستسعدني بشكل صارخ وواضح للجميع، ولكن تكرر موسم الصيف عليّ مرات عديدة حتى اضطررت أن أوجد لنفسي خيارًا آخر في هذه الحلقة المستمرة".

"أعتقد أني أتفق معك إلى حد ما"، تضيف زينب، "ولكن لا أحب يأسك من مفاجآت الحياة أحيانًا".

تتدخل حصة، "لا أستطيع العيش بلا أمل، أن أعيش حياتي بلا إنجازات كبرى ولا توقعات عالية. لا أريد أن أبقى على حالي البسيط وأتنازل إلى الأبد! هذه ليست حياة".

تكمل فاطمة الحديث، "ما هي هذه الإنجازات الكبرى؟ أعندك رغبة محددة؟ الغاية من أجل الغاية ذاتها ليس بإنجاز".

يثقل هواء العصر من حولنا بينما تحتدم الأمور بينهن ولكن تلطف زينب الحديث بكل مهارة وكأنها شهدت هذا الموقف ألف مرة:

"لم أتعلم من الصيف الكثير، كلما زاد وقت فراغي كلما تفرعت بي الأفكار ولا أستفيق حتى يبدأ الجو يبرد من حولي في بداية الخريف". "هل مررتن بفترة وجودية أثناء الصيف؟" تطرح فاطمة السؤال وتفسر، "أجد أني أفكر كثيرًا عن الأسباب وراء حياتي وما هو موقعي وعن الطرق الصحيحة والخاطئة للعيش".

اشرحي، تخبرها نظرات زينب وفاطمة.

فتكمل، "ألم تجلسن مرة أثناء فصل صيف ممل وبالغتن في تحليل الأمور؟"

يسترجعن مواقف عشوائية بصمت، ويتركن الرياح لتحمل سؤالها بعيدًا عن راحة بالهن.

"لا أجد أن الصيف كفكرة قابلة للتطبيق في حياتي"، تعلن زينب. "أرى أن كل ما يحمله من معانٍ وأفكار غير منطقية بالنسبة لي. إن كانت حرارة الطقس أو السفر الذي لا أستطيع تحمل تكلفته. كما أني لست موهوبة حتى أستغل وقتي بهواية أو حرفة معينة، أفضل العمل". وتضيف، "حتى الطيور تهرب من الصيف".

أستطيع أن استشعر اعتراض فاطمة على كل نقطة ذكرتها زينب ولكن يغمرها الشعور فتصمت برهة لتستجمع نقاط ردها، "لا أعتقد أن ضعف المهارة مبرر حتى نكبح رغبة استكشاف هوايات جديدة، هذه روح الصيف برأيي، أن نخوض التجربة ونتقبل الفشل. يجب أن نستغل سكون العالم من حولنا في هذه الفترة حتى نبدد مخاوفنا".

ربما تفيدنا حصة في الإجابة، هل عندكِ نصيحة معينة عن قضاء فترة الفراغ الصيفي؟

"لا تفكروا في نهايته، سواء رغبتم أن تعجل أو تبتعد. هل تذكرون بداية الدراسة من كل سنة؟ حين كنا ندخل الصف متفاجئين بالتغييرات التي مر بها الجميع، أعتقد أن تطورنا الشخصي يتسارع في الصيف، فأقضوا كل صيف بحضور عالٍ. يومًا ما ولسبب ما، ستتجرد المواسم من خواصها وطقوسها وستصبح مجرد أيام، تجنبوا هذا الركود والطوف على موجات الحياة بدون مرساة ".

ثم غربت الشمس، ومعها ملامح الصيف.


تم تغيير الأسماء تبعًا لطلب المشاركات في المقابلة.

Previous
Previous

نشط في الليل

Next
Next

خرائط تتسع للخيال