ثوب الوداع

ومن هنا، نتطلع إلى ما سيكون، إلى مستقبل حيث نرسم صورًا ونخط قصصًا مما يمضي الآن وما قد مضى.

كلما تنهدت زهرة تذكرت وداعه الأخير وسهمه اللامع. كان يعد الرماح وهي تعد له الدموع وتعويذة امرأة إلى رجل. سافرت الغيوم والطيور والفصول معه، سافر في حرب حتى يرى ذاته في جسده وناره في رماحه. يريد هوية ومعنى ومكان، وابتعد عن ضلوعه والندى.

وحيدة هي تسأل نفسها هل تعد له ثوب استقباله ام تعد لجنازته؟ خاطت الثوب أمامها والذكريات خلف ظهرها، وتفرك الساعات بين يديها، وإبرة الشوك التي خاطت ثوبها أم وريدها؟ وذاكرة بلا صوته ولا صهيل خيله. وجدت نفسي قرب نفسي من بعده وتقمصت السهول والوديان والجبال. آه من حلمي ومن الانتظار.

متى يلتئم الحلم والجرح؟ قبل موسم الحشرات والذباب الموسمي يلوثه ويلوث وخز إبرة الشوك التي خاطت ثوب الحزن والجفون المتورمة. لم تأتي أغنية لها حتى ترسم له الكلمات، والأغنية لم تصل لذلك المنسي بين الوديان، ونحلة ذهبت خلف صوتها في الحقول ولم تعد لا بالمراثي ولا بالبشرى.

وكلما مرت بشارة العنب تفاءلت بقدوم وجهه. وصدرها باب يطرقه الناس بلا رد وبهجة. وتشد ساعد الأمل لتخيط ثوب زفافها كلما ذهب عميقًا في دمها، وخبأته تحت حشائش الأنعام في أسفل البيت الحجري. تهرب لثوبها وتخيطه بدموعها وسواد لونه كسواد أملها. ملامح الثوب المزخرفة كخطوط غبار قلبها، ونزفه الأحمر لونًا تطرزه وتحتفي باللون والنزيف. وكلما أشرقت شمس الحياة خاطت بلون الشمس، وكلما اتكأت على بنفسجة وزهرة في انتظاره خاطتها مع ثوبها لونًا، كتبت مراثيها على ثوب الانتظار والذاكرة لأنها خريطة الطريق إليه. لا ترسموا دمه على حجر يكفي الأحمر في ثوبي وشعري المصبوغ بأوراق الحناء.

وترى في عيون القادمون خبزًا وطحين وصمودًا. يا حبيباً خطت ثوبي بخصر ينحل كل يوم وأشد حزام الفضة حوله ام حول قلبي. وأغسل الجسد واعطره بشجر العفار ذلك الجسد الذي صلبته باحتمال اللقاء والتمني، وباحتمال الرياحين، محوت كل الشخوص من بعدك. قاوم وعد لترى ثوبًا مشى من فوقه حلم ودموع وشجر وتجاعيد الجبال.

متى تحضر؟

ومتى تقف اليد عن الخياطة؟

ومتى يختفي زحام الموت؟

ومتى تعود مساحتك ومساحة الوطن الذي حلمت به؟ وظل وجهه غائب وغامض كظهيرة فاقعة، وفستان الزفاف ظل مخبئ في طيات المفارش والحجر.


إبرة الشوك: شجرة شوكية تستخدم أشواكها كإبر للخياطة.

بشارة العنب: حشرة من نوع الخنفساء البرتقالي يأتي ليبشر بموسم الربيع وموسم العنب.

العفار: شجرة عطرية تنمو جنوب شبه الجزيرة العربية تستخدم للاستحمام وغسيل الثياب.

الصفحة الرئيسية
Previous
Previous

صخور عنيدة

Next
Next

مقدمة: نقش ولون وحكايا