صخور عنيدة
لماذا نبحث في الأزياء التقليدية ونؤرشفها؟
لو رأيت شخص قبل ٢٠٠ عام بثياب بالية ويردد يا الله، يا الله! لرأيته وقتها أنه ولي صوفي زاهد; أما اليوم، فلو رأيت شخص بثياب ممزقة لقلنا عنه أنهُ مسكين ودرويش ولبحثت في جيوبك وسيارتك عن قطع نقدية لتعطيها اليه. فما الذي اختلف؟ اختلفت الحالة العقلية للمجتمع وقتها والظاهرة وطريقة التفكير في الأشياء. جميع هذه الظواهر كانت قابلة للتغيير والاندثار والتعديل إلا الآداب والفنون والنقد الأدبي والفني كانت بُنية قائمة بذاتها يهابها العلماء والمفكرين، وكان من الصعب دومًا تحويلها إلى أداة قمعية آو عقاب اجتماعي. كل تلك المقدمة كانت دفاع ضد قضية القطيعة مع التراث الثقافي القديم، ونحن بلد غارق في التراث أصلًا; ليس لأننا لا نملك بُنية معرفية جديدة، أو لأننا متفرغون لاجترار الماضي، أو الانشغال بعروض الأزياء التراثية لترف مادي وفكري فقط. أحببت أن أقول لكم أنه لا يوجد شيء يطفر من الفراغ فجأة بلا سبب، كل ظاهرة فنية مرتبطة بأسباب وشروط وإدراك معين. ومهما بحثنا في أسباب منطقية لدراسة الموروث والأزياء وأرشفتها تظل اجتهادات وآراء فنية قابلة للتحليل والنقد.
دراسة الأزياء وتحليلها فنيًا له من الأهمية بمكان، لأنها مرتبطة بأسس علم الجمال ومرتبطة بسلوك بشري لحقبة زمنية لا نستطيع تجاهلها. فكما كان هنالك سبل لعيش الإنسان بالقانون فهنالك سبل لعيش الفكر بالفنون، فقد يكون الأرشيف الفني للأزياء مجال للتنفس والجمال والأرض والقوة، ومرتكز ثقافي وفني يشفي أرواح التائهين والباحثين; لأنه مستند علمي واقعي يحفظ ما تبقى من إرث، وصمام أمان للعائدين من مراوغات البؤس والهجرة، وقفز فوق حفر الخداع والوهم الخارجي، ويتبقى في الذاكرة ما نعود إليه بعد أن تنقشع غمامة الصيف الماطرة بحمل كاذب، وعندما تتربع الآراء الدخيلة في تفاصيل الإنسان وبيته وطاولة عشاءه ويختنق بها ويتردى الحال والفكر وتغيب الفكرة الأصيلة.
ذلك النقش الفني يخلّد حتى لا تتبدل هويتنا الفردية بتبدل الآراء والمذاهب والجماعات، ومن الأفضل اعتياد الجمال كواجهة حضارية عوضًا عن الانشغال بجماليات لا تمت لنا بصلة. أرشفة التراث الثقافي من زي ونقش ورقصات وموسيقى يثبت وجود أزلي وجذور قديمة، ولأن استخدام نقوش وألوان ارشيفنا الحضاري يجنبنا وضع أنفسنا موضع كوميديا بتكرار فنون لا تخصنا. أرشيف الأزياء والنقوش مرتكز الفكر وقناعاته وخصوصية جماليته وليس أشكال صامتة مسافرة من كتب التاريخ.