الجزء الثاني: ولد العار عندما انقطع الوحي عن قلبها

عادت بعد سنين لصورها القديمة ذات الجديلة والحاجبين الكثيفين، فمزقتها; ومسودات أفكارها، فأحرقتها. وضعت إصبعها فوق شفتيها لتقول "هشش"، لتصمت أصوات قلبها، هي لا تعلم أين هي الآن.

لا أحد يحن إلى جرحه الأول. تمتزج المرارة بالحنين فيولد العار. وُلد عندما انقطع الوحي عن قلبها، ونما كجرثومة في معدتها. تتكاثر في احشائها المرارة واليأس والإحباط; فتتقيأ الخيبة دماً وذاكرةً. علاماتها الحيوية تتدهور لأن جسدها يعلم ما علته، أما هي فلا تعلم ما علة روحها. أم هي تخشى المواجهة وتتهرب منها؟ وكيف تواجه روحها الطفولية تلك السلسلة الطويلة من الإسقاطات عليها منذ أمد وكيف تقوى مصافحة أولئك المتلاعبون بحياتها؟

كل ما تفعله هو أن تضع أمامها طبق من البذور لتلتهمه دفعة واحدة وهي تستمع لجارتها الباحثة في فضائح الحي والمتفوقة جدًا لو حاولت أن تعمل رئيسة تحرير مجلة للفضائح الاجتماعية والمشاهير.

فتركب موجة الإسقاطات وتتبنى هي الجيل الجديد لتلك السلسلة القديمة من الشعور بالعار وجلد الآخر تهربًا من تلك المواجهة الحاسمة مع ذاتها القديمة ;فالتساوي مع الأخريات في هذا الشعور يشعرها بالعدالة والتشابه والراحة. تمزيق الذكريات يخفف وطأة الخجل من نفسها، والشعور بالفوقية على الفتيات الصغيرات يشعرها بالامتياز عليهم.

حتى تلك القائمة الطويلة من المسلسلات الاجتماعية على التلفاز تشعرها بالراحة أكثر، فهي تجيد لعبة الهروب الكبير جيدًا. لأنها لم تتقبل موت طفلها الأول في ربيع ذلك اليوم، ولأنها وقفت مكتوفة الايدي ولم تحاول ان تمده بالإسعافات الاولية وإجراءات التنفس الاصطناعية; فعاشت منذ ذلك اليوم برئة واحدة تتشاركها مع جميع فتيات جيلها.

الجزء التالي
Previous
Previous

الجزء الأول: هي وحدها أمام عقلها

Next
Next

الجزء الثالث: هباء العمر والشعور